أهلا بك يا مسلم وأشكرك لإطرائك على جهودنا ويكفينا أن نرى براعم تتفتح هنا وهناك فنحن لا نستعجل قطف الثمار ومشروع التغيير يحتاج وقتا وجهدا وصبرا. كما أشكرك على شعورك تجاهي أنت وغيرك من القراء الأعزاء, والله يعلم أني ما زلت أجد سعادتي في التواصل معكم وتقديم المشورة لكم ولذلك أسأل الله أن يديم هذا الموقع ويجزل للقائمين عليه الثواب فيكفي أنه كان سببا لمعرفتي بكم وإطلالتي عليكم.
بما أن المستشار مؤتمن فلن أبخل عليك بالنصيحة لكنها لن تكون هي الأساسية بقدر ما سأفتش عن أسباب المشكلة, فإذا اقتلعنا جذور المشكلة من أساسها لا بد أننا سنصل بشكل تلقائي إلى حلها, حيث أن الانطباع الأول الذي قد يتكون نتيجة قراءة مشكلتك أنها فعلا ليست مشكلة كما بينت أنت, لكن حقيقة هناك الكثير من المشاكل الفرعية المتخللة, وها أنذا أعيد قراءة مشكلتك من جديد لأسجل لك ما وجدت من تفاصيل يمكن وضعها كأسباب لما أنت فيه:
أولا: ليست المشكلة في وجود الأحلام الكثيرة والطموحات الكبيرة, لأن الحقائق تبدأ بالأحلام كما يقول سومرست موم, ولكن المشكلة هي الخلل في ترتيب الأولويات وكيفية صعود الدرجات لتحقيق هذه الطموحات, فالأولويات غير واضحة لديك تماما وستجد أمثلة على ذلك خلال الإجابة.
ثانيا: قولك أنك تشعر بتقصير هائل تجاه أمتك الإسلامية ليس شيئا محبذا, لأنه يلغي روح التفاؤل في داخلك, والإبداع والإنجاز لا يكون بسبب وجود موهبة أو استعداد شخصي فقط ولا بتوافر الهمة والعزيمة فحسب, لكن لا بد برأيي من وجود التفاؤل, فالمتشائمين هم أقل الناس تحقيقا لأهدافهم, وما أدعو له هو التفاؤل المشوب بالحذر, وليس التفاؤل الذي لا يرى العوائق, لكن التشاؤم وتقريع الذات مرفوض, أما الشعور بالمسؤولية تجاه الأمة الإسلامية والذي تتحلى به فهذا ما أسال الله أن يمن به على كل شبابنا وشاباتنا لأن وجود هذا الشعور في أنفسنا جميعا يعني ثمة وجود حافز للعمل الجاد لنغير هذا الوضع الذي لا تكفي أي كلمة للتعبير عنه, ولكن لنكن متفائلين بأنه لا بد بعد الليل من فجر جديد.
ثالثا: لا بد أن أنبهك بحكم طلبك مساعدتي إلى وجود خلط لديك بين المنطلقات والأهداف, أو المبادئ والغايات, وتنبيهي لهذا الأمر ليس من مبدأ التفلسف عليك, لكن لأنه مرفوض أن يصدر مع من يعرف ذاته جيدا كما وصفت نفسك, والخلط كامن في عبارتك هذه (وضعت لحياتي شجرة أهداف كبيرة رأسها يمثل الهدف الأساسي وهو نيل مرضاة الله تعلى ودخول جنته الخالدة، ولتحقيق ذلك وضعت أهدافا فرعية منها ما هو ديني مثل الإيمان والعقيدة وتأدية الفرائض ، ومنها ما هو دنيوي اجتماعي مثل بر الوالدين و صلة الأرحام ومساعدة الناس بكل ما توفر لدي من إمكانات، ومنها أيضا ما هو دنيوي علمي ومهني، يتمثل بطلب العلم والعمل بجد لتطوير مشروع علمي تنموي شامل وناجح و ومنتج يعود علي بالمال الحلال الوفير ويعود بالخير الكثير على الأمة الإسلامية), فالهدف الكلي هو مرضاة الله ودخول جنته, وهو صحيح ولا شك, ولكن الإيمان والعقيدة وتأدية الفرائض ليست أهدافا لا فرعية ولا كلية, , بل إن الإيمان والعقيدة تدخل تحت بند المبادئ أو المنطلقات, أما تأدية الفرائض وبر الوالدين وصلة الأرحام ومساعدة الناس فهي وسائل تستند إلى المنطلقات الإيمانية لتحقيق الغايات أو الأهداف التي ذكرتها كمرضاة الله ودخول جنته.
وكي يتوضح لك أكثر مفهوم المبادئ والأهداف أرجو أن يساعدك ردي على إحدى الاستشارات الدعوية بعنوان: مشاكلي العائلية أثرت علي دعويا.
ثم إني لا أتفق معك في وضعك لبر الوالدين وصلة الأرحام ومساعدة الناس تحت مسمى الدنيوي الاجتماعي, فهذه ليست أمور دنيوية أبدا بل هي من صميم الدين, فإذا لم يكن التدين والالتزام ملتحما بالشعور بآلام الآخرين ومشفوعا بمساعدتهم فما فائدته؟ أرجو أن تطلع على مقالتي هذه في جريدة الوطن السعودية فهي تصب في نفس الخانة التي نتكلم عنها:
إذا فُقِد الحس الإنساني فماذا يبقى من التدين والالتزام؟
لذلك أرجو أن تتذكر- ما دمت متابعا لإجاباتي- ما أقوله دائما من أن الدنيا لا تنفصل عن الآخرة عند الإنسان المسلم وهذا ما تعبر عنه الآية العظيمة
قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين). ولذلك فما ينطبق على بر الوالدين وخدمة الناس ينطبق على طلب العلم والعمل وحتى طلب الرزق الحلال الوفير إذا قصد به وجه الله سبحانه وليس الرياء أو الكبر أو العجب فلمثل هذا فليعمل العاملون.
رابعا: نأتي إلى الأسباب التي تجعلك لا تحقق أهدافك العلمية والمهنية وأولها ضيق الوقت, فكل ما ذكرته موجود لدى أي واحد يعمل في أي مكان فما بالك بشاب عازب يعمل في بلد غير بلده الأصلي؟ لكن المشكلة يا صديقي هي في تنظيم الوقت, لأنه السبيل الوحيد لتشعر أن اليوم أكثر من 24 ساعة, وبذلك لا يحترق الوقت كما تقول, فقط يجب أن تعلم أنه ليس لك أن تأكل البيضة وقشرتها كما يقول المثل, والسؤال: أليس لديك القدرة المادية على إحضار من يساعدك في الأعمال المنزلية؟ لم تذكر في أي البلاد تقيم, فإذا كان بلدا خليجيا فلا بد أنه يوجد بعض ممن يرغبون بالخدمة في البيوت مقابل مبلغ بسيط, فهل فكرت بالاستعانة بأحدهم؟ أم أنك تريد أن تغسل وتكوي ملابسك وتحافظ على أناقتك ولا يذهب وقتك هباء؟! مع ذلك إذا لم تجد الاستعانة بخادم فكرة مناسبة فيمكنك أن ترسل الثياب لكيها في أحد محلات الكي أو كيها – وكذلك القيام بأي عمل منزلي آخر - وأنت تستمع إلى الراديو أو التلفاز أو محاضرة مهمة مسجلة أو شريط صوتي مدمج بالكمبيوتر, فكأنك تستهلك هذا الوقت في القراءة والإحاطة بمعلومات تهمك, وكذلك بإمكانك أن تستفيد من الوقت أثناء قيادتك لسيارتك بالاستماع إلى المسجل - سواء أشياء مسلية أو جدية- وأنت ذاهب إلى أي مكان, وأقصد من هذه الأمثلة أن تبحث جيدا عن توفير الوقت, بحيث تجمع الإنجاز إلى الترفيه, ولكن لا مانع من الاسترخاء بل هو مطلوب أيضا أن تعطي نفسك راحتها قليلا فنفسك مطيتك فارفق بها.
ولتوفير الوقت أيضا يمكنك تعلم القراءة السريعة عبر بعض كتب أو محاضرات التطوير الذاتي, وأهم ما يمكنني نصحك به هنا هو التركيز أثناء القراءة, فستلاحظ أنك عندما تقرأ بتركيز تستطيع أن تضاعف عدد الكلمات المقروءة, وكذلك أن تبتعد عن القراءة همسا لأنه يأخذ وقتا أكبر أو القراءة كلمة كلمة واستبدالها بقراءة العبارة كاملة, ثم ما ينصح به أيضا هو عدم قراءة كل التفاصيل الواردة في المقالة لغير كاتبك المفضل, فكثيرا ما تكون المقالات عبارة عن حشو وأما الأفكار الهامة فليست أكثر من 10% من المقالة فيكفي أن تطلع على الأفكار الرئيسية بتركيز, بينما تمر على التفاصيل غير الهامة بسرعة, وأركز مرة أخرى على موضوع التركيز في القراءة وفي التفكير وفي التعلم فكثيرا ما يكون التركيز عاملا فعالا لكسب الوقت, لكن السؤال: كيف الوصول إليه؟ وهنا أنصحك بالعودة إلى مشكلة الغربة كربة واللجوء إلى الله مفتاح الفرج. ففي علم النفس الحديث ينصحون كثيرا بتمارين التنفس والاسترخاء واليوغا وهي جيدة فعلا ولكن من الأفضل ترافقها بالتركيز أثناء العبادة كالخشوع في الصلاة وتخصيص ورد صباحي ومسائي من الذكر فكل هذا ينشط الذاكرة ويجدد النفس ويطور الشخصية ويوفر الوقت لكن بشرط المثابرة عليه.
هذا بالنسبة لمقالات الصحف أو الإنترنت أما ما يصلك على البريد الالكتروني, فالحمد لله على هذه النعمة التي سرعت التواصل بين الأصدقاء لكن بعضهم قلبوها نقمة علينا, فيرسلون لنا كل ما يرونه هاما بضغطة زر, وليت أصدقاءنا فقط هم من يفعلون ذلك لأن المشكلة أن بريدنا الالكتروني أصبح مستباحا لكل من هب ودب, فمن أين لنا أن نجد الوقت لقراءة كل هذه الأفكار بغثها وسمينها؟ يجب أن تكون لديك القدرة على تمييز الجيد من الرديء, والمكتوب يعرف من عنوانه فلا تقرأ إلا ما يهمك أو ما أنت متأكد أنه من صديق يشاركك نفس اهتماماتك وكن انتقائيا جدا ولا عليك أن تحذف كل ما لا ترغب به دفعة واحدة, وفي نفس الوقت يجب أن لا تهمل الرسائل الشخصية الهامة فترد على الرسائل التي تكتسب قيمتها من محتواها أو مرسلها, وهكذا يجب عليك تحديد ما ترغب به أنت وتضعه ضمن أولويات الإطلاع والقراءة, لا ما يفرض عليك, ومع تعلم القراءة السريعة والتحلي بصفة التركيز في القراءة والعمل أيا كان فسترى أن وقتك يتضاعف بكل سهولة.
وما يقال عن أولويات القراءة يقال عن أولويات الواجبات الاجتماعية والاتصالات الهاتفية, فحدد مثلا يوما أسبوعيا لزيارة صديق, على أن لا تأخذ الزيارة وقتا غير معين بالنسبة لك, والأفضل أن تجعل هذه النشاطات خلال أيام الإجازة والعطل, وكمثال عن نفسي لا أقوم بأي اتصال غير طارئ أو زيارة غير ملحة لأي أحد خلال الأسبوع, وطبعا لا يمكننا تأجيل المتصلين بنا دائما, فقد يكون لديهم حاجات عاجلة وهم بحاجة إلى مساعدة, فحاول أن تضع هذا الأمر ضمن إطار الطوارئ لا أن تمسح له بالتحول إلى عادة, لأنه سيفسد عليك تنظيم وقتك, وكذلك تسوقك يجب أن يكون بشكل أسبوعي لا يومي, فالمرور على السوبر ماركت والوقوف على الكاشير لوحده يأخذ كثيرا من الوقت , فاجعل لك برنامجا شهريا للتسوق من أجل الملابس مثلا, وأسبوعيا من أجل شراء الأطعمة وحدد لكل منهما ما يناسبك من وقت بحيث لا تتجاوز الوقت المخصص. وطبعا هذه مجرد اقتراحات لتستضيء بها وليست تعليمات نهائية لا يمكن تغييرها, فمثلا كما أن لكل منا طريقته بالتعلم المفيد والممتع كذلك لكل منا طريقته بالتسوق المفيد والممتع أيضا, فلا تأخذ ردي هذا وتطبعه وتسير عليه فأنا أكتب لك من وحي خبرتي عندما كنت عازبة, وما زلت أستنير بهذه الاقتراحات إلى الآن, لكن دون أن أنسى أنه علي أن أكون مرنة حسب الظروف, فلا يمكن أن تدخل علي جارتي التي أعتبرها بمثابة أخت لي مثلا, فأقول لها: والله ليس لك وقت في برنامجي اليوم.. تعالي غدا! فالحكمة هي التصرف المناسب في المكان المناسب في الزمان المناسب مع الشخص المناسب, وبالطبع أتمنى أن يدرك كل منا أهمية وقته ووقت الآخرين, لكن مجتمعاتنا بعيدة عن التحضر في هذا الأمر, بينما في البلاد الغربية يوجد للوقت أهمية قصوى, ومع ذلك فلا أحبذ طريقة بعض الغربيين في وضع لوحة في غرفة الضيوف يكتب عليها: ما الهدف من زيارتك؟ وللمزاح معك ولتخفيف جدية الإجابة أذكر أن صديقة لنا أيام الجامعة كان وقتها يذهب هباء بسبب زيارة صديقاتها لها فوضعت لهم لوحة كتبت عليها مثلا عاميا يتداوله أهل سوريا يقول: (الضيف المنظوم بياكل وبيقوم)!
نأتي إلى المشكلة الثالثة وهي مشكلة البحث عن الكمال, فهذه يا أبو الأوراق – وهو لقب أشكرك على إشراكي والإخوة القراء في معرفته - عقدة العقد إذ تضيع الوقت بالتأكيد وبشكل كامل, وفرق كبير بين ما يدعو إليه الحديث الشريف من إتقان العمل وبين محاولة الوصول إلى الإتقان التي تستغرق الوقت كله دون فائدة. أما توثيقك لما يعجبك من أفكار, فلم أستغربه لأني أفعل هذا منذ زمن بعيد فالكتابة تساعد على الاستعادة والاسترجاع بسرعة كحكمة أعجبتني أو عبارة مميزة لفتت نظري, وإن كنت أقل شعورا منك بالراحة النفسية ربما لأنني أجده شيئا ضروريا ومفيدا وبالتالي هو شيء معتاد, ولكن لماذا لا تجمعه كلها في مفكرة؟ لا عليك إن دعاك أصدقاؤك بأبي المفكرة!
أما إذا كانت كتابتك للتخطيط من أجل القيام بمشروع أو عمل, فبرأيي أن أهم خطوة من أجل النجاح هي التخطيط, لكن عليك أن تبحث عن الثغرة في عدم إنجاز المخططات المدروسة بطريقة أسرع. دعني أخمن مثلا أنك مهندس ديكور, وأنت تضع مخطط لتنفيذ ديكور في أحد المحلات التجارية, فبما أنه لديك الدراسة النظرية والخبرة العملية والتصور الذهني فالمخطط يجب أن لا يأخذ حيزا كبيرا من تفكيرك ووقتك, فأين هو الخلل في التنفيذ؟ هل هو بسبب شخصيتك المحبة للكمال؟ أم بسبب بعض فريق العمل معك؟ أم أن الظروف لا تساعدك؟ هنا يمكنني أن أنصحك مرة أخرى بالتفاؤل فلا تضع اللوم على نفسك دائما, وابحث جيدا فربما كان هناك من يعيق عملك بقصد أو دون قصد, وربما أن الظروف لم تكن مواتية كغياب صاحب العمل أو سفر مديرك الذي سيوقع على أوراق اعتماد المخطط أو.. أو , وبذلك لا تحمل نفسك أكثر مما تحتمل, وإذا تسلحت بالتفاؤل فلا شك أنك ستنجز أكثر لأن الاكتئاب يترافق بالتشاؤم بشكل كبير, لكن بشرط أن تتأكد أن الخلل ليس في شخصيتك, فإذا كان السبب منك فيجب أن تقرأ بعض كتب علم النفس التي تخلصك من عقدة الكمال وأنصح هنا بكتاب اسمه (إدارة العقل).
وهنا جوابي على سؤالك عن نوع مشكلتك إذ أعتقد أنها نفسية بالدرجة الأولى, وليس يعني هذا أنك مصاب لا سمح الله بمرض نفسي, بل بالعكس أرى أنك من الشخصيات المحبوبة القريبة من القلب, ولكنك بحاجة إلى التبصر بنفسك أكثر, وربما كنت ممن يغلب عليهم الطابع الاجتماعي أكثر من الطابع الفردي, ولذلك قد يساعدك الدخول في اعتكاف خاص للبحث عن ذاتيتك, ولا أقصد هنا أن تدخل في اعتكاف وتترك كل أعمالك, بل يكفي ما قلناه عن التركيز في العبادة والذكر لتخصص وقتا تعود فيه إلى نفسك بعيدا عن مشاكل الحياة المرهقة والناس المحبين, وقد كتبت عبارة وورد سوورث في رد سابق لي أعيدها هنا
برغم كوننا ترابًا فإن الروح فينا آخذة في النمو، شأننا شأن الهارمونيا في الموسيقى، فثمة براعة فنية تعمل على التوفيق بين العناصر المتنافرة فتجعلها تلتحم بعضها مع بعض في نسق واحد. وعندما نبعد عن ذواتنا الحقيقية لمسافات بعيدة جدا بالدنيا التي تدفعنا دفعًا فنسقط وقد صرنا مرضى بمشاغلها ومرهقين بملذاتها، فإننا نجد الاعتكاف عندئذ يكون عظيما وعذبا إلى أبعد حد).
أخيراً: ما بقي من رسالتك فيه بعض التناقض فلاحظ هذه الجملة: (أما أنا صاحب الحال الجيد والاستقرار الاجتماعي والعائلي و صاحب الحالة المادية الجيدة لا أستطيع المضي في أهداف بسيطة وضعتها لمسيرة حياتي !! أحيانا أقول أن الزواج هو الحل وإن لي في ذلك رغبة كبيرة بهدف تحقيق الاستقرار النفسي والاجتماعي) فأنت صاحب استقرار اجتماعي في البداية لكنك لست كذلك في النهاية, فأين القول الصحيح؟ هو أنك لست مستقرا اجتماعيا ولا نفسيا أيضا لأن الزواج هو سبب كبير للاستقرار النفسي المعبر عنه بكلمة (السكن) في القرآن الكريم, وهو أيضا عامل استقرار اجتماعي من حيث تكوين أسرة وإمكانية قبول المجتمع خاصة المجتمع العربي الذي لا يحبذ وجود العزاب كثيرا, وهنا برأيي – وبغض النظر عن طموحاتك- ألا يتم تأخير زواجك أكثر, فالعمر المناسب للإنجاب لدى المرأة هو بين العشرين والثلاثين, وللرجل بين الثلاثين والأربعين, ولاحظ أني أقول وجهة نظري ولا أجبر أحدا عليها, لكنها من قراءاتي وخبراتي, فلا أظن أن للرجل والمرأة في سن الكهولة نفس القدرات على التربية ومتابعة الأولاد مثل الشاب والشابة, وإذا كنت ترى أن سفرك لبلاد الغرب من أجل متابعة الاختصاص شيء ضروري وحيوي لمستقبلك, فما المانع أن ترافقك ابنة الحلال؟ وهل تفكر أن تذهب إلى تلك البلاد عازبا ولا يخفى عليك ما يعانيه الشاب المسلم من إغراءات الوقوع في الخطيئة هناك أم أن لديك تفكير آخر بأن تتزوج من غربية فتنال الجنسية؟ هذا لم يبد في رسالتك, لكن لم أفهم ما هو المانع من الجمع بين الزواج والسفر لإكمال الدراسة مع أن كثيرين يفعلون هذا, فيمكنك الزواج إن وجدت فتاة مناسبة تفهم ظروفك وتشاركك طموحاتك ولعل لديها طموحاتها فترافقك في سفرك وتخفف عنك غربتك وتجد ذاتها هي أيضا بتحقيق ما ترغب به من دراسة أو عمل أو ما شابه, بحيث أنك لا تتزوجها من أجل تنظيف البيت وتحضير الطعام إذ لا أظن مثلك قادر على التأقلم مع فتاة سطحية – والله أعلم- وطبعا موضوع اختيار الفتاة الأنسب لم تتطرق أنت إليه وأتركه لمتابعة منك إذا كانت لديك بعض الحلول الجاهزة لمشكلة الزواج. وإذا لم يكن في ذهنك مثلا أي فتاة فيمكنك تأجيل موضوع الزواج سنة أخرى أو اثنتين على الأكثر لصالح مشروع الدراسة والاغتراب.
والحقيقة أنك لم تسبب لي تشوشا لكن تشوشك بدا هنا واضحا, مع أنه ليس له داع, فبسهولة يمكنك الوصول إلى هذا القرار فإذا وجدت أبواب السفر مفتوحة قبل أبواب الزواج فاحمل حقيبتك وسافر, وإن وجدت فتاة مناسبة فضع رحلك عندها ريثما تجد الفرصة التي تنتظرها للسفر, ولكن اشرح لها ظروفك بحيث تكون صريحا معها أن السفر يعتبر أولوية في حياتك لتحسن وضعك وتحقق ميولك الإبداعية, وأنا وإن كنت لست مع فقد العقول العربية بسبب هجرتها إلى الغرب لكنني من المشجعين على التجربة والسفر والاحتكاك بالبنيات الحضارية الأخرى لأن في ذلك كسب للمعارف وإثراء للخبرات وإمكانية لإفادة الأمة التي تشعر بمسؤوليتك تجاهها, لكن شرط أن نمر بأي تجربة ونحن بوعي كامل لمخاطرها ومساوئها.
أرجو أن يكون جوابي كافيا وأشكر لك ثقتك وأدعو لك بالتوفيق ولعلنا نسمع أخبارا سارة عنك.